الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **
4008- ما أنتَ بأنْجَاهُمْ مَرَقَةً المَرَقة: النَّفْسُ، وأنجى: من النجاة. يضرب لمن أفْلَتَ من قوم قد أخِذُوا وأصيبوا. 4009- مَنْ نَجَا بِرأسِهِ فَقَدْ رَبِحَ يضرب في إبطاء الحاجة وتعذرها حتى يَرْضَى صاحبها بالسلامة منها. قَالَ أبو عبيد: وهذا الشعر أراه قيل في ليالي صِفِّين: الّليلُ دَاجٍ وَالكِبَاشُ تَنْتَطِحْ * نِطَاحَ أسْدِ مَا أُرَاهَا تَصْطَلِحْ فَمَنْ نَجَا بِرَأسِهِ فَقَدْ رَبِحْ* 4010- مَتَى عَهْدُكَ بأسْفَلِ فِيكَ؟ أي متى أثْغَرْتَ؟ . يضرب للأمر القديم وللرجل يخرف قبل وقت الخرف. وقَالَ ابن الأَعرَبي: يضرب للذي يطلبُ مالاً يناله، ويعني القائل به أسنانه إذا كان صغيراً. قَالَ: وهذا مثل قولهم: هيهات طار غرابها يجرُّ ذلك. وقَالَ في موضع آخر: يضرب للأمر قد فات ولاَ يطمع فيه، قَالَ: ومثله "عهدك بالغابات قديم". (كذا، وربما كان محرفاً عن "الغانيات") وقَالَ أبو زيد: من أمثالهم "مَتَى عهدك بأسفل فيك" وذلكَ إذا سألتَهُ عن أمرٍ قديم لا عهد له به. وقال أبو عمرو: تقول إذا قدم عهدك بالرجل ثم رأيته "مَتَى عهدك بأسفل فيك" فيقول المجيب "زَمَن 4011- السلام رِطَاب" وربما قيل "زمن الفطحل" يريدون به قدم العهد.[ص 300] مَنْ وُقِىَ شَرَّ لَقْلَقِهِ وَقَبْقَبِهِ وَذَبْذَبِهِِ فَقَدْ وُقيَ اللَّقْلَق: اللسان، والقَبْقَب: البطن، والذبذب: الفرج. يضرب لمن يكثر. 4012- مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ يُقَال: خِلْتُ إخال، بالكسر وهو الأفصح، وبنو أسد يقولون "أَخَالُ" بالفتح وهو القياس، والمعنى مَنْ يَسْمَع أخبارَ الناس ومعايبَهم يقع في نفسه عليهم المكروه 4013- مِنْ كِلاَ جَنْبَيْكَ لاَ لَبَّيْكَ ويروى "جانبيك" وهما سواء. يضرب للمَخْذُول 4014- مَنْ يَطُلْ هَنُ أَبِيهِ يَنْتَطِقْ بِهِ يريد من كثر إخوته اشتدَّ ظهره وعِزُّهُ بهم، قَالَ الشاعر: فَلَوْ شَاءَ رَبى كَانَ أيْرُ أبيكُمُ * طَوِيلاً كَأَيْرِ الحارثِ بِنْ سَدُوسِ قَالَ الأصمعي: كان للحارث بن سدوس أحد وعشرون ذكراً وأما المثل الآخر في قولهم: 4015- مَنْ يَطُلْ ذَيْلُهُ يَنْتَطِقْ بِهِ فأخبر أبو حاتم عن الأَصمعي أنه قَالَ: يراد مَنْ وجد سَعَةَ وضَعَها في غير موضعها، ويروى "مَنْ يَطُلْ ذيلُه يطأ فيه" يضرب للغنيّ المسرف. 4016- مَنْ يَنْكِح الحَسْنَاءَ يُعْطِ مَهْرَهَا أي مَنْ طلب حاجةً اهتمَّ بها وبذَلَ مالَه فيها. يضرب في المُصَانَعة بالمال 4017- مَنْ سَرَّهُ بَنُوهُ سَاءَتْهُ نَفْسُهُ قائل هذا المثل ضِرَار بن عمرو الضَّبِّيُّ، وكان ولده قد بلغوا ثلاَثة عشرَ رجلاً، كلهم قد غزا ورأس، فرآهم يوماً معاً، وأولاَدَهم، فعلم أنهم لم يبلغوا هذه الأسنان إلاَ مع كبر سنه، فَقَالَ: مَنْ سره بنوه ساءته نفسه، فأرسلها مثلاً 4018- مَثَلُ ابْنَةِ الجِبَلِ مَهْمَا يُقَلْ تَقُلْ يضرب للإمَّعَةِ يتبعُ كلَّ إنسان على ما يقول. 4019- مَنْ أشْبَهَ أبَاهُ فَمَا ظَلَمَ أي لم يَضَع الشَّبَهَ في غير موضعه؛ لأنه ليس أحدٌ أولى به منه بأن يشبهه، ويجوز أن يراد فما ظلم الأَبُ، أي لم يظلم حين وضع زَرْعَه حيث أدَّى إليه الشبه، وكلاَ القولين حسن.[ص 301] وكتب الشيخ على أبو الحسن إلى الأديب البارع وقد وَفَد إليه ابنُه الربيعُ ابن البارع، فَقَالَ: مرحَباً بولده، بل بولدي الظريف، الربيع الوارد في الخريف. كأنَّكَ قَدْ قَابَلْتَ مِنْهُ سَجَنْجَلاً * فَجَاءَكَ مِنْهُ بِالخَيَالِ المُمَاثِلِ وَمَا ظَلَمَ إذا أشْبَهَ أبَاهُ، وإنَّمَا ظَلَمه أنْ لَوْ كانَ أبَاهُ. 4020- مَنْ يَكُنْ أبُوهُ حَذَّاءً تُجَدُّ نَعْلاَهُ يقول: من كان ذا جِدَة جَادَ متاعُه يضرب لمن كانت له أعوان ينصرونه 4021- مَنْ لَكَ بأَخِيكَ كُلِّهِ أي مَنْ يكفُلُ ويضمن لك بأخ كله لك، أي كل ما فعله مَرْضي، يعني لاَ بدَّ أن يكون فيه ما تكره، وهذا يروى من قول أبي الدَّردَاء الأنصاري رضي الله عنه. يضرب في عز الإخاء. 4022- مَنْ العَنَاءِ رِيَاضَةٌ الهَرِمِ دخل بعض الشُّرَارة على المنصور، فَقَالَ له شيئاً في توبيخه، فَقَالَ الشارى: أتروض عرسك بعد ما كبَرَتْ * وَمِنَ العَنَاءِ رِياضَة الهَرِمِ فلم يسمعه المنصور لضعف صوته، فَقَالَ للربيع: ما يقول الشيخ؟ قَالَ: يقول: العبد عبدكم، والمال مالكم * فَهَلْ عذابُكَ عَنيَّ اليومَ مَصْروف فأمر بإطلاَقه، واستحسن من الربيع هذا الفعل. 4023- مَا اسْتَتَرَ مَنْ قَادَ الجَمَلَ قَالَ القُلاَخ: أنا القُلاَخُ بنُ جَنَاب بن جَلاَ * أخُو خَنَاثِيرَ أقُودُ الجَمَلاَ 4024- مَالَهُ سَرِحَةٌ وَلاَ رَائِحَةٌ سَرَحْتُ الماشية: أرسلتها في المَرْعَى فَسَرَحَتْ هي، والمعنى ماله ما تَسْرَحُ وترُوحُ، أي شيء، ومثله كثير. 4025- مَعْيُورَاء تُكادِمُ المَعْيُوراء: جمع الأعيار جمع غريب، والتكادم: التَّعَاضّ. يضرب مثلاً للسفهاء تتهارش 4026- مَنْ لِي بِالسَّانِح بَعْدَ البَارِحِ؟ السانح من الصيد: ما جاء عن شمالك فولاَكَ مَيَامنه، والبارح: ماجاء عن يمينك فولاَكَ مَيَاسره، والناطح: ما تَلَقَّاكَ، والقَعيد: ما استدبَرَك. وأصل المثل أن رجلاً مرت به ظِباء بارحة، والعرب تتشاءم بها فكره الرجلُ [ص 302] ذلك، فقيل له: إنها ستمرُّ بك سانحةً، فعندها قَالَ: مَنْ لي بالسانح بمد البارح؟ يضرب مثلاً في اليأس عن الشيء. 4027- مَنْ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ ظَلَمَ أي ظَلَمَ الغنم، ويجوز أن يراد ظلم الذئب حيثُ كُلَّفه ما ليس في طبعه. يضرب لمن يولي غير الأمين قَالَوا: إن أول من قَالَ ذلك أكْثَم بن صَيْفي، وذلك أن عامر بن عبيد بن وهيب تزوج صَعْبة بنت صيفي أخْتَ أكثم، فولدت له بنين: ذئباً، وكلباً، وسبعاً، فتزوج كلبٌ امرأة من بني أسد ثم من بني حبيب، وأغار على الأقياس - وهم قيس بن نوفل، وقيس بن وهبان، وقيس بن جابر - فأخذ أموالهم وأغار بنو أسد على بني كلب - وهم بنو أختهم - فأخذوهم بالأقياس، فوفد كلب بن عامر على خاله أكثم، فقال: ادفع إلى الأقياس أموالَهم حتى أفتدى بها بَنِيَّ من بني أسد، فأراد أكثم أن يفعل ذلك، فَقَالَ أبوه صيفى: يابنى لاَ تفعل؛ فإن الكلب إنسان زهيد إن دفعت إليه أموالهم أمسكها وإن دفعت إليه الأقياسَ أخذ منهم الفداء، ولكن تجعل الأموال على يد الذئب فإنه أمْثَلُ إخوته وأنْبَلُهم، وتدفع الأقياس إلى الكلب، فإذا أطلقهم فمُرِ الذئب أن يدفع إليهم أموالهم، فجعل أكثم الأموال على يد الذئب والأَقياس على يد الكلب، فخدع الكلب أخاه الذئب فأخذ منه أموالهم، ثم قَالَ لهم: إن شئتم جززت نَوَاصيكم وخليت سبيلكم، وذهبت بأموالكم، وخليتم سبيل أولاَدي، وذهبتم بأموالكم وبلغ ذلك أكثم فَقَالَ: من استرعى الذئب ظلم، وأطمع الكلب في الفِداء فطوَّلَ على الأَقياس فأتاه أكثم فَقَالَ: إنك لفى أموال بني أسد وأهْلُكَ في الهوان، ثم قَالَ: نَعِيمُ كلبٍ في هَوَان أهله، فأرسلها مثلاً. 4028- مَنْ حَبَّ طَبَّ قَالَوا: معناه من أحَبَّ فَطِنَ واحتال لمن يُحِبُّ، والطَّبُّ: الحِذْقُ 4029- مِنْ ثَطَاتِهِ لاَ يَعْرِفُ قَطَاتَهُ مِنْ لَطَاتِهِ الثَّطاة: الحمق، ويروى "من رطاته" وهي الحمق أيضاً، وأصله الهمز، يُقَال: رَطِئٌ بين الرَّطاءة، لكنه ترك الهمز، والقَطَاة: الرِّدفُ، واللَّطَاة: الجبهة 4030- مَطْلُهُ مَطْلُ نُعَاسِ الكَلْبِ وذلك أن نعاس الكلب دائم مُتَّصل وقَالَ: لاَ قَيْتُ مَطْلاً كَنُعَاسِ الكَلْبِ* [ص 303] 4031- المَنَايا عَلَى السَّوَايَا ويروى "على الحَوَايا" يُقَال: إن المثل لعَبيد بن الأبرص، قَالَه حين استنشده النعمانُ بن المنذر يوم بؤسه. قَالَ أبو عبيد: يُقَال إن الحوايا في هذا الموضع مَرْكَب من مراكب النساء، واحدتها حَوِيَّة، قَالَ: وأحسب أن أصلها قوم قُتِلُوا فحُمِلوا على الحوايا، فصارت مثلاً. يضرب عند الشدائد والمخاوف. والسَّوَايا: مثلُ الحوايا. 4032- المَنِيَّةُ ولاَ الدَّنِيَّةُ أي أختار المنيةَ على العار، ويجوز الرفع، أي المنيةُ أحبُّ إلىَّ ولاَ الدنية، أي وليست الدنية مما أحِبُّ وأختار. قيل: المثل لأوس بن حارثة. 4033- المَوْتُ الأحْمَرُ قَالَ أبو عبيد: يُقَال ذلك في الصبر على الأذى والمشقة والحمل على البدن. قَالَ: ومنه قول علي رضي الله عنه: كُنَّا إذا احْمَرَّ البأس اتَّقَيْنَا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن منا أحد أقرب إلى العدو منه. قَالَ الأَصمعي: في هذا قولاَن قَالَ الموت الأحمر والأسود شبه بلون الأسد، كأنه أسد يَهْوِى إلى صاحبه، قَالَ: ويكون من قولهم "وَطْأة حمراء" إذا كانت طرية، فكأنَّ معناه الموت الجديد. وقَالَ أبو عبيد: الموت الأَحمر معناه أن يَسْمَدِرَّ بَصَرُ الرجل من الهَوْل فيرى الدنيا في عينه حمراء أو سمراء كما قَالَ أبو زبيد الطائى في صِفَةِ الأَسد: إذا علقت قِرْناً خَطَاطِيفُ كفه * رأي المَوْتَ بِالعَيْنَيْنِ أسْوَدَ أحْمَرَا وفي الحديث "أسْرَعُ الأَرض خراباً البصرة بالموت الأَحمر والجوع الأَغبر" 4034- المَوْتُ السَّجِيحُ خَيْرٌ مِنَ الحَيَاة الذَّمِيمَةِ السَّجَاحة: السهُولة واللين، ومنه: وجه أسْجَحُ، وخُلُق سجيح، أي لين 4035- مَنْ عَتَبَ عَلَى الدَّهْرِ طَالَتْ مَعْتَبَتُهُ. أي عَتْبه، وهذا من كلام أكثم بن صيفي، وهو الغضب، أي مَنْ غَضِبَ على الدهر طال غضبه؛ لأن الدهر لاَ يخلو من أذى. 4036- المْكْثَارُ كَحَاطِبِ لَيْلٍ هذا من كلام أكْثمَ بن صَيْفي. قَالَ أبو عبيد: وإنما شبه بحاطب الليل لأنه ربما نَهَشَته الحية ولدغته العقرب في [ص 304]احتطابه ليلاً، فكذلك المكثار ربما يتكلم بما فيه هلاَكه. يضرب للذي يتكلم بكل ما يهجس في خاطره. قَالَ الشاعر: احْفَظْ لسانكَ أيها الإنسان * لاَ يَقْتَلنَّكَ؛ إنَّهُ ثُعْبَانُ كَمْ فِي المَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لسَانِهِ * كَانَتْ تَخَافُ لِقَاءَهُ الأَقْرَانُ 4037- مَنْ يُرِ يَوْمَاً يُرَ بِهِ قَالَ المفضل: أول من قَالَ ذلك كَلْحَبُ بن شُؤْبُوب الأَسدي، وكان يُغير على طيئ وحده، فدعا حارثةُ بن لأم الطائىُّ رجلاً من قومه يُقَال له عِتْرِم، وكان بطلاً شجاعاً، فَقَالَ له: أما تستطيع أن تكفيني هذا الخبيث؟ فَقَالَ: بلى، ثم أرسل معه عشرة من العيون حتى علموا مكانه، وانطلق إليه الرجل في جماعة فوجدوه نائماً في ظل أراكة وفرسُه مشدود عنده، فنزل عنده الرجل ومعه آخر إليه، فأخذ كل واحد منهما بإحدى يَدَيْه، فانتبه فنزع يده اليمنى من مُمْسِكها، وقبض على حَلْق الآخر فقتله، وبادر الباقونَ إليه فأخذوه وشَدُّوه وَثَاقاً، فَقَالَ لهم ابن المقتول - وهو حَوْذَة بن عِتْرِم - دعوني أقتله كما قتل أبي، قَالَوا: حتى نأتي به حارثة، فأبى، فَقَالَوا له: والله لئن قتلته لنقتلنك، وأتَوْا به حارثة بن لأم، فَقَالَ له حارثة: يا كلْحب إن كنت أسيراً فطَالَما أسَرْتَ، فَقَالَ كلحب: من يُرِ يوماً يًرِ به، فأرسلها مثلاً، وقال حَوْذَة لحارثة: أعطنيه اقتله كما قتل أبي، قَالَ: دونكهُ، وجعلوا يكلمونه وهو يُعُالج كِتَافَه حتى انحلَّ، ثم وثب على رجليه يجاريهم، وتواثبوا على الخيل واتبعوه فأعجزهم، فَقَالَ حَوْذَة في ذلك: إلى الله أشْكُو أن أؤوبَ وقَدْ ثَوَى * قَتِيلاً فأوْدَى سَيِّدُ القومِ عِتْرِمُ فماتَ ضَيَاعاً هكذا بيَدِ امْرئٍ * لئيم فَلَوْلاَ قِيْلَ ذُو الوِتْرِ مُعَلَمُ فأجابه كَحْلب: أحَوْذَةُ إنْ تَفْخَرْ وتَزْعُمُ أننِي * لَئِيمٌ فَمِنِّي عِتْرِمُ اللؤمِ أْلأم فأقْسِمُ بالبيت المحرَّمِ مِنْ مِنىً * ألِيَّةَ بَرٍّ صَادِقٍ حِينَ يُقْسِمُ لَضَبٌّ بِقَفْرٍ مِنْ قَفارٍ وضَبَّة * خَمُوع ويَرْبُوعُ الفَلاَ مِنْكَ أكْرَمُ فَهَلْ أنْتَ إلاَ خُنْفَسَاءُ لَئيمَةٌ * وَخَالُكَ يَرْبُوع وَجَدُّكَ شَيْهَمُ أتوِعِدُونِي بالمنكَرَاتِ وَإنَّنِي * صَبُورٌ عَلَى مَا نَابَ جَلْدٌ صَلَخْدَمُ فإن أفْنَ أَوْ أعمر إلَى وَقْتِ لهذِهِ * فأَنِّي ابنُ شُؤبُوبٍ جَسُور غَشَمْشَمُ [ص 305] 4038- مَنْ يَنِكِ العَيْرَ يَنِكْ نَيَّاكاً أول من قَالَ ذلك خِضْر بن شِبْل الخثعْمى، وكانت امرأته صديقةً لرجل يُقَال له هِشَيمْ، وإن خِضْراً أخذ ماله ذهباً وفضة فدفَنَه في أصل شجرة، ثم رجع فأخبر امرأته بما دفن، فأرسلت وليدَتَها إلى هُشَيم تخبره بمكان المال وتأمره بأخذه، فجاءت الوليدة إلى سيدها فَقَالَت: إن امرأتك مُوَاتية لهُشَيم، ولم يَمنعني أن أعلمك ذلك قبل هذا اليوم إلاَ رهبة أن لا تؤمن به، وآية ذلك أنها أرسلتنى إلى هُشَيم تخبره بالمكان الذي دفنت فيه المال، فما تأمرني؟ قَالَ: انطلقي إلى هَشَيم برسالتها، فانطلقت إليه، وركب خِضْر فرسَه وانطلق وأنشأ يقول: يَا سَلْم قَدْ لاَحَ لِي مَا كَانَ يَبْلُغُنِي * عنكُمْ فأيَقَنْتُ أنَّي كُنْتُ مأكُولاَ وقَدْ حَبَوْتُكِ إكْرَاماً ومَنْزِلَةً * لَوْ كَانَ عِنْدَكِ إكْرَامِيكِ مَقْبُولاَ فَقَدْ أتانِي بما كُنْتُ أحْمَدُهُ * مِنْ سِرِّهَا أن أمْرِي كان تَضْلِيلاَ فَسَوف أبدل سَلْمَى مِنْ جِنَايَتِهَا * هُلْكا، وَأتْبِعُهُ مِنْهَا عَقَابِيلاَ وَسَوْفَ أبْعَثُ إنْ مُدَّ البَقَاءُ لَنَا * عَلَى هُشَيْمٍ مُرِنَّاتٍ مَثَاكِيلاَ فلما انتهى إلى ذلك المكان وجد هُشَيْما قد سبقه وأخذ المال، فأسف ورجع يؤامر نفسه في قتل امرأته، وجعل يكاد يتهم الجارية، ثم عَزَم على مكايدة امرأته حتى يظفر بحاجته، فرجع إلى منزلة كأنه لاَ يعلم بشيء مما كان، ومكث أياماً، ثم قَالَ لامرأته: إني مستودعك سراً، قَالَت: إني إذاً أرعاه، قَالَ: إني لقيتُ غَوَّاصاً جائيا من جَنَبَات البحر ومعه دُرَّتَانِ، فقتلته وأخذتهما منه، ودفنتهما في موضع كذا وكذا، وقَالَ للوليدة: إذا أرسلتكِ إلى هُشَيم فابدئي بي، ولم يعلمها ما قَالَ لامرأته، فأرسلت امرأتُه الوليدةَ إلى هُشَيم، فأتت الوليدة خِضْرَاً فأخبرته، فعرف أنها صادقة، وقَالَ لها: انطلقي فأعلميه، وركب هو وأخ له يُقَالُ له صُوَيْد وخرج هُشَيْم وقد سبقاه فكمَنَا له حيث لاَ يراهما، فأقبل يتغنى سَلَبْتُكَ يَا ابنَ شِبْلٍ وَصْلَ سَلْمَى * وَمَالَكَ، ثُمَّ تُسْلَبُ دُرَّتاَكا فأنْتَ اليَوْمَ مَغبُونٌ ذَلِيلٌ * تُسَام العَارَ فِينَا وَالهَلاَكا إذَا مَا جِئْتَ تَطْلُبُ فَضْلَ مَالٍ * ضَربْتَ مَليحَةً خًوْداً ضِنَاكا وتَرْجِعُ خَائِبَاً كَمِداً حَزِيناً * تَحِكُّ جُلَيْدَ فَقْحَتِكَ احْتِكَاكا [ص 306] فشد عليه خضر وهو يقول: مَنْ يَنِكِ العيرَ ينك نياكا، ثم أخذه وكتفه، وقَالَ أين مالي؟ فأخبره بموضعه، فضرب عنقه، وذهب إلى ماله فأخذه، وانصرف إلى امرأته فقتلها، واحتبس وليدتها مكانها. يضرب مثلاً لمن يُغُالِبُ الغَلاَّبَ 4039- مَنْ سَلَكَ الجَدَدَ أمِنَ العِثَار الجَدَد: الأَرض المستوية، يضرب في طلب العافية ومثلُه: 4040- مَنْ تَجَنَّبَ الخَبَار أَمِنَ العِثَارَ الخَبَار: الأَرض المهملة فيها حجارة ولَخَافِيقُ (اللخافيق: الشقوق، واحدها لخفوق) 4041- مَنْ دَخَلَ ظَفَارِ حَمَّرَ ظَفَارِ: قرية باليمن يكون فيها المغرة، وحمَّر: تكلم بالحميرية، ويُقَال: معناه صبغ ثوبه بالحمرة؛ لأن بها تعمل المغرة، وهو - أعنى ظفار - مبنى على الكسر مثل قَطَامِ وحَذَامِ يضرب للرجل يدخل في القوم فيأخذ بزيهم 4042- مَنْ يُرُدُّ السَّيْلَ عَلَى أدْرَاجِهِ؟ أدراج السيل: طرقُة ومجاريه. يضرب لما لاَ يقدر عليه 4043- مَنْ يَشْتَرِي سَيْفِي وَهَذَا أَثَرُهُ؟ قَالَ المفضل: أول من قَالَ ذلك الحارث بن ظالم المُريُّ، وذلك أن خالد بن جَعْفر بن كِلاَب لما قتل زُهير بن جَذيمة العَبْسي ضاقت به الأَرض، وعلم أن غَطَفَان غيرُ تاركيه، فخرج حتى أتى النعمان، فاستجار به فأجاره، ومعه أخوه عُتْبة بن جعفر، ونهض قيس بن زهير، فاستعدَّ لمحاربة بني عامر، وهَجَم الشتاء، فَقَالَ الحارث بن ظالم: يا قيسُ أنتم أعلم وحربكم، وأنا راحِل إلى خالد حتى أقتله، قَالَ قيس: قد أجاره النعمان قَالَ الحارث: لأقتلنه ولو كان في حِجْرِهِ، وكان النعمان قد ضرب على خالد وأخيه قُبَّة وأمرهما بحضور طعامه ومُدَامه، فأقبل الحارث ومعه تابع له من بني محارب، فأتى بَابَ النعمان، فاستأذن، فأذن له النعمان وفرِح به، فدخل الحارث، وكان من أحسن الناس وَجْهاً وحديثاً، وأعلم الناس بأيام العرب، فأقبل النعمان عليه بوجهه وحديثه، وبين أيديهم تمر يأكلونه، فلما رأى خالد إقبال النعمان على الحارث غَاظَهُ، فَقَالَ: يا أبا ليلى ألاَ تشكرني؟ قَالَ: فبماذا؟ قَالَ: قتلتُ زهيراً فصرتَ بعده سيدَ غطفان، وفي يد الحارث تمراتٌ فاضطربت يده، وجعل يرعد ويقول: [ص 307] أنت قتلته؟ والتمر يسقط من يده، ونظر النعمان إلى ما به من الزَّمَع، فَنَخَس خالداً بقضيبه وقَالَ: هذا يقتلك؟ وافترق القوم، وبقي الحارث عند النعمان، وأشرج خالد قبته عليه وعلى أخيه وناما، وانصرف الحارث إلى رحله، فلما هَدَأت العيون خرج الحارث بسيفه شاهره حتى أتى قبة خالدٍ فهتكَ شرجها بسيفه ودخل، فرأي خالداً نائماً وأخوه إلى جنبه، فأيقظ خالداً، فاستوى قائماً، فَقَالَ له الحارث: يا خالد أظننتَ أن دمَ زهيرٍ كان سائغاً لك؟ وعَلاَه بسيفه حتى قتله، وانتبه عتبة فَقَالَ له الحارث: لئن نَبَسْتَ لألحقنَّكَ به، وانصرف الحارث ورَكِبَ فرسه ومضى على وجهه، وخرج عتبة صارخاً حتى أتى بابَ النعمان، فنادى: يا سوء جِوَارَاه فأجيب: لاَروع عليك، فقال دخل الحارث على خالد فقتله، وأخْفَرَ الملك، فوجه النعمان فوارس في طلبه فلحقوه سَحَرا فعطَفَ عليهم فَقَتل منهم جماعة، وكثروا عليه فجعل لاَ يقصد لجماعة إلاَ فَرَّقها ولاَ لفارس إلاَ قتله، وهو يرتجز ويقول: أنا أبُو لَيْلَى وسَيْفِى المعْلُوبْ * مَنْ يَشْتَرِي سَيْفِي وَهَذَا أَثَرُهْ وارتدع القوم عنه وانصرفوا إلى النعمان. يضرب في المحاذرة من شيء قد ابتلى مرة قَالَ الأغْلَبُ العِجْلي قَالَتْ لَهُ فِي بَعْضِ مَا تُسَطِّرُهْ * مَنْ يَشْتَرِي سَيْفِي وهَذَا أَثَرُهْ 4044- مَنْ عَزَّبزَّ أي من غَلَب سَلَبَ، قَالَت الخنساء: كأنْ لَمْ يَكُونُوا حِمىً يُتَّقَى * إذ النَّاس إذ ذَاكَ مَنْ عَزَّبَزَّ قَالَ المفضل: وأولُ من قَالَ "من عزبز" رجلٌ من طيئ يُقَال له جابر بن رَأْلاَن أحَدُ بني ثُعَل، وكان من حديثه أنه خرج ومعه صاحبان له، حتى إذا كانُوا بظهر الحِيْرَة وكان للمنذر بن ماء السماء يومٌ يركب فيه فلاَ يلقى أحداً إلاَ قتله، فلقي في ذلك اليوم جابراً وصاحبيه، فأخذتهم الخيلُ بالسوية فأتِىَ بهم المنذر، فَقَالَ: اقترعوا فأيكم قَرَعَ خليت سبيله، وقتلت الباقين، فاقترعوا فَقَرَعَهم جابر بن رَأْلاَن، فخَلَّى سبيله وقتل صاحبيه، فلما رآهما يقادان ليُقْتَلاَ قَالَ "مَنْ عَزَّبز" فأرسلها مثلاً. 4045- مَنْ يَأكُلُ خَضْماً لاَ يَأكُلُ قَضْمَاً، ومَنْ لاَ يَأكُلُ قَضْمَاً يأكُلُ خَضْماً الخَضْمُ: الأكل بجميع الفم، والقَضْم: الأكل بأطراف الأسنَان. [ص 308] يضرب في تدبير المعيشة. قَالَ الشاعر: لقد رَابَنِي مِنْ أهْلِ أرْضِي أنَّنِي * أرى النَّاس حَوْلِي يَخِضِمُونُ وأقضِمُ وَمَا ذَاكَ مِنْ عَجْزٍ وَسًوء جِبِلَّةً * أخَاكَ ولكِني امْرُؤٌ مِنْ أتَكرَّمُ 4046- مَنْ يَرَ الزُّبْدَ يَخَلْهُ مِنْ لبَنٍ أصل هذا أن رجلاً سأل امرأة فَقَالَ: هل لبَنتْ غَنَمُك؟ فَقَالَت: لاَ، وهو يَرَى عندها زُبْداً، فَقَالَ: مَنْ ير الزُّبدَ يَخَلْه من لبن. يضرب للرجل يريد أن يُخفِيَ مالا يُخفىَ وقَالَ أبو الهيثم "من يرى الزَّبَدَ" بفتح الزاي والباء، والصحيح ما تقدم. 4047- مَنِ اشْتَرى اشْتَوَى قَالَ أبو عبيد: اشْتَوى بمعنى شَوَى، وهذا المثل عن الأَحمر. يضرب في المُصَانعة بالمال في طلب الحاجة. 4048- مَنْ فَازَ بِفُلاَنٍ فقد فَازَ بِالسَّهْمِ الأخْيَبِ وفي كلام أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قَالَ لأصحابه: مَنْ فاز بكم فاز بالسهم الأخْيَبِ. يضرب في خَيبَة الرجل من مطلوبه. 4049- مِنْ مَالِ جَعْدٍ وَجَعْدٌ غَيْرُ مَحْمُودٍ أولُ من قَالَه جَعْدُ بن الحُصين الخُضْري أبو صخر بن جَعْد الشاعر، وكان قد أسَنَّ، فتفرق عنه بنوه وأهلُه، وبقيت له جارية سَوْدَاء تَخْدمه، فعشقت فتىً في الحي يُقَال له عَرَابة، فجعلت تنقُلُ إليه ما في بيت جَعْد، ففَطِنَ لها جعد، فَقَالَ: أبْلِغْ لَدَيكَ بَنِي عَمْروٍ مُغَلْغَلَةً * عَمْراً وعَوْفَاً وَمَا قَوْلِي بمَرْدُودِ (في الفاخر 114 "بني عمي مغلغلة") بأن بَيْتِي أمْسَى وفْقَ دَاهِيَةٍ * سَوْدَاءَ قَدْ وَعَدتنى شَرَّ مَوْعُودِ تُعْطِى عَرَابَةَ بالكَفَّين مجتنحا * مِنَ الخَلُوقِ وَتُعْطِيني عَلَى العُودِ أمْسَى عَرَابةُ ذَا مَالٍ يُسِرُّ بِهِ * مِنْ مال جَعْدٍ وَجَعْد غَيْرُ مَحْمُودِ يضرب للرجل يُصَاب من ماله ويُذَم. 4050- مَنْ قَنَع فَنِعَ الفَنَع: زيادة المال وكثرته، قَالَ الشاعر: أظِلَّ بَيْتِيَ أم حَسْنَاءَ نَاعِمَةً * حَسَدْتَنِي أمْ عَطَاءِ الله ذَا الفَنَع [ص 309] 4051- مَنْ عُرِفَ بِالصِّدْقِ جَازَ كِذْبُهُ، ومَنْ عُرِفَ بِالكِذْبِ لَمْ يَجُزْ صِدْقُه 4052- مَنْ خَاصَمَ بالبَاطِل أَنْجَحَ بِهِ أي مَنْ طَلَبَ الباطلَ قعدت به حجتُه وغُلب. قَالَ أبو عبيد: معناه أن نُجْحَ الباطل عليه لاَ له، يُقَال "نُجَحَ" إذا صار ذا نُجْح، بمعنى مَنْ خاصم بالباطل صار الباطل منجِحاً، أي ظافراً به. 4053- مُخْرَ نْبِقٌ لِيَنْبَاعَ الاخْرِ نْبَاق: الإطراق والسكوت، والانبياع: الامتداد والوَثْب، أي أنا أطْرِقُ ليثب، ويروى "لينباق" أي يأتي بالبائقة، وهى الداهية. 4054- أَمَكْرٌ وَأَنْتَ فِي الحَدِيدِ؟ قَالَ أبو عبيد: هذا المثل لعبد الملك بن مروان، قَالَه لسعيد بن عمرو بن العاص، وكان مُكَبَّلاَ، فلما أراد قتله قَالَ: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن لاَ تَفْضَحَنِي بأن تخرجني للناس فتقتلني بحضرتهم فافعل، وإنما أراد سعيدٌ بهذه المقَالَة أن يُخَالفه عبدُ الملك فيما أراد فيخرجه، فإذا أظهره مَنَعه أصحابه وحالوا بينه وبين قتله، فَقَالَ: يا أبا أمية أمَكْراً وأنت في الحديد؟ يضرب لمن أراد أن يمكر وهو مقهور. 4055- مُجَاهَرةً إذَا لَمْ أَجِدْ مَخْتِلاً المُجَاهرة بالعداوة: المُبَاداة بها، والخَتْل الخَتر، يقول: آخذ حقي مجاهرة أي عَلاَنيَةً قهراً إذا لم أختل إليه في العافية والستر. ونصب "مجاهرة" على تقدير أجاهر مجاهرة، وقوله "مَخْتِلاً" أي موضع خَتْلٍ، ويجوز مَخْتَل بفتح التاء يجعله مصدراً، والتقدير أجاهر فيما أطلب مجاهرة إذا لم أجده خَتْلا، أي بالختل.
|